من منا لا يحب الاستمتاع بدوش ماء بعد يوم مملوء بالتعب والإرهاق، يزيل فيه أدران جسده وروحه، ويعود فيه كأنه مولود جديد؟
لكن هل تساءل أحدنا وهو يستحم أسفل الدوش والمياه تنساب على رأسه وجسده، كيف كانت قصته؟؟ وكيف تتم عملية تسخين المياه؟؟ ومن الذي أوصل لنا هذا الاختراع الظريف؟؟
الاستحمام عند الإنسان البدائي:
لقد كان الشلال بمثابة الدوش للإنسان البدائي، حيث كان يقف أسفله ويستمتع بحمام تقدمه له الطبيعة مجاناً، وهنا كانت بداية القصة.
وفي خطوة متطورة وفرت للإنسان شيئاً من الخصوصية؛ تتمثل في سكب المياه الدافئة من أباريق على رؤوس وأجسام المستحمين من الأثرياء، يقوم بهذه المهمة الخدم والعبيد، وكان ذلك في حضارة مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين.
أظهر كذلك التنقيب عن منازل الأثرياء في طيبة، وقرية اللاهون والعمارنة وجود حجرات استحمام ضمنها كانت مجهزة بأرضيات ذات انحدار طفيف من أجل تسهيل التخلص من مياه الاستحمام.
الحمامات العامة:
وبعمليةٍ أكثر تطوراً، كان الأمر ذاته عند الإغريق والرومان مع تقنيات متقدمة في السباكة والقنطرة، لكن لم يحدث ذلك في منازلهم كالمصريين القدماء وإنما في أماكن جماعية مغلقة مخصصة لهذا الغرض، وهي ما تعرف باسم الحمامات العامة، والتي أًصبحت الآن أشبه بفلكلور جميل يزوره الناس بقصد التسلية وقضاء وقت لطيف، إذ بقيت آثارها في كثير من دول البحر الأبيض المتوسط وانكلترا.
وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، لم يعد الناس يفضلون الحمامات العمومية ذات الطابع الجماعي، خاصة تلك التي سمحت باختلاط الجنسين، إلا أن التصميم المتطور للصرف الصحي ظل موجوداً لكن لم يعد له فائدة مؤقتاً.
بعد فترة قصيرة جلب الصليبيون الصابون من الشرق الأقصى إلى أوروبا، وأصبحت صناعة الصابون تجارة ثابتة ورائجة في فترة العصور الوسطى، وسرعان ما تحولت صناعة الصابون إلى حرفة ممتهنة وتجارة قائمة بذاتها في أوروبا في أثناء تلك الحقبة، ولم يلبث الناس أن عادوا مستفيدين من أنظمة الصرف الصحي إلى الاستحمام في أحواض خشبية.
استحمام أم أشغال شاقة؟!
ومع حلول القرن الثامن عشر، وبسبب التقدم الحاصل في مجال الطب وعلم الأوبئة، بدأ الاهتمام بالنظافة الشخصية يتصاعد من جديد، غير أن تطور الحمامات والأدشاش كان يسري ببطء، فقد كانت أحواض الاستحمام كبيرة وكانت تتطلب كمية كبيرة من المياه لتصل إلى حد الامتلاء، وكان يجب تسخين هذا الماء ونقله من المطبخ إلى الحمام محمولاً داخل دلاء، وهذا يعني أن الاستحمام تطلب كثيراً من العمل المتعب الشاق.
اختراع أول دوش ميكانيكي في العالم:
قرر صانع أفران وسخانات مياه إنجليزي يدعى (ويليام فيذام) أن يسرع عملية تطور الأدشاش قليلاً، فاخترع أول دوش ميكانيكي في العالم، وهو عبارة عن حوض حيث كان الشخص الذي يستحم يقف عليه، وخزان مياه متدلي معلقاً فوق رأسه، ويستخدم مضخة يدوية من أجل صبّ المياه من الحوض إلى الخزان فوقاً، ثم كان يسحب سلسلة من أجل سكب ذلك الماء في آن واحد على رأسه، ثم كان ليعيد الكرّة من جديد إلى أن ينتهي من الاستحمام.
فشل اختراع (فيذام) الأول من نوعه في جذب اهتمام الطبقة الأرستقراطية لأن المياه كانت لتتسخ شيئا فشيئاً وتبرد مع كل مرة كانت السلسلة تُسحب فيها، ومنه كان الأغنياء يعتبرون تعرضهم لرشّة من المياه الباردة أمراً أكثر مما قد يتحملونه، فهم اعتادوا على الاستحمام في المياه الساخنة في حمامات واسعة وداخل أحواض استحمام فاخرة وعريضة.
من جهة أخرى كان دوش (فيذام) مستخدماً ممن هم أقل طبقة من النبلاء لأكثر من قرن.
لكن، ولأن تصميم الصرف الصحي لم يكن موجوداً في كل مكان من الأساس، ولا يمتلك الجميع القدرة المادية على شراء الدش الميكانيكي، فلم يكن الاستحمام شائعاً بين جموع الشعوب، وربما بسبب ذلك اضطر الناس إلى تأليف خرافة تفيد بأن الاغتسال يسبب أضراراً بدنية وصحية، ويُعرّض الأطفال للهشاشة، وهو ما جعل الاستحمام في مناسبتين فقط، الاستعداد للزواج، أو في حالة المرض.
انتشار الاستحمام بالدوش في القرن التاسع عشر:
بينما أصبح الاستحمام بالدوش ذا شعبية كبيرة في وسط القرن التاسع عشر، وذلك بفضل طبيب فرنسي يدعى (ميري ديلابوست)، كان (ديلابوست) طبيب جراحة عامة يعمل لدى سجن (بون نوفال) في (روان)، وهناك استبدل الأدشاش الفردية بأدواش جماعية إجبارية ليستعملها السجناء، وقد تحجج في ذلك بكونها أكثر توفيراً ونظافة، كما قام كذلك بالإشراف على تثبيت هذا النوع من الأدشاش في ثكنات الجيش الفرنسي في سبعينات القرن التاسع عشر.
في الوقت نفسه لم يكن الاستحمام متاحاً في الشتاء لبرودة الطقس والماء معاً، باستثناء الطبقة الأرستقراطية التي يأتيها الماء دافئاً عن طريق خدمها، لكنّ تحسن السباكة في الأماكن المغلقة أتاح أن يكون الدوش متصلاً بمصدر المياه الجارية، وفي تلك الأثناء أصبح بإمكان حتى الطبقة المتوسطة الحصول على مياه ساخنة جارية في المنازل.
اختراع سخان الماء:
في سنة 1868، اخترع رسام إنجليزي يدعى (بنجامين وادي موغان) سخان ماء لم يكن يعمل —لأول مرة— بالوقود. بدل ذلك، كان يتم تسخين الماء باستعمال الغازات الساخنة الصادرة عن رأس موقد. لكن للأسف، نسي (موغان) تثبيت مروحة تهوية داخل اختراعه مما تسبب في انفجار رأس الموقد أحياناً.
على الرغم من أن اختراع (موغان) قد فشل، إلا أن الاسم الذي منحه للسخان بقي ملازماً له، حيث كان هو من منح الاختراع اسم «سخان الماء» بالإنجليزية Geyser، وهو المصطلح الذي مازال قيد الاستخدام إلى يومنا هذا في إنجلترا وبعض بلدان القارة الآسيوية.
دخول العالم حقبة جديدة من الاستحمام:
تم تحسين تصميم (موغان) على يد مهندس ميكانيكي نرويجي يدعى (إدوين رود)، وفي سنة 1889، اختُرع أول سخان ماء أوتوماتيكي آمن يعمل بالغاز، ودخل العالم حقبة جديدة في الاستحمام.
وقد استمر تطور أجهزة تسخين المياه مع تطور الإنسان، إلى أن وصل العالم اليوم إلى الاستفادة من طاقة الشمس وإنتاج سخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية، لتكون بديلاً طبيعياً موفراً ومتاحاً.